استثمار التوليد اللغوي في تنمية اللغة العربية

Abstract

إنّ اللُّغة العربيّة تعيش فـي أيَّامـها هذه تـحدِّيات عظيمة. فالعَوْلَـمَة بشتَّـى تـمظهراتـها تفرض نفسها وقواعدها على جميع ثَقافات العالَـم وبالتَّالـي على جميع لُغاته. وحتّـى تقتدر العربيّة على مقاومة تيار العولـمة الّذي صار حقيقةً قائـمة لا يُـمكن التّغاضي عنها، وجب على أهل العربيّة أن يسعوا إلـى تنمية اللُّغة العربيّة حتّـى تتمكَّن من مـجاوَزة هذه الصُّعوبات النَّاتـجة عن العولـمة. وقد انصبَّ مسعى البحث فـي هذه الأطروحة حول إشكالـيّـة بـحثـيّة ذات شِـقَّـيْـن اثـنـيْـن: شِقٌّ أوَّل قُصِدَ منه إبراز قُدرة التَّولِيد اللُّغَوِيّ على الإسـهام فـي تنمية اللُّغة العربيَّة وكيفيّة تـحقيق ذلك والاستـــثمار فيه. وشِقٌّ آخِر، يروم إبـراز انعدام هذا الـمُـسْـتَـبْـحَـث الـلُّـغَـوِيّ Discipline linguistique من منظومة العلوم اللُّغويّة الـمكــرَّسة لـخدمة اللُّغة العربيَّة مع ضرورة الأخذ به، وبالتّالـي تُفضي بنا هذه الـمعاينة إلـى الإقـرار بلزوم وجوده حتّـى تـنـتـفـع منه اللُّغة العربيَّة. أمَّا الـمصاعب الـمصادَفة فعديدة ومتنوِّعة منها: قِلَّة في الدِّراسات والأبـحاث السَّابقة فـي اللُّغة العربيّة تنظيـرًا وتطبيقًا عليها، فالتجأ الباحث إلى الاقتباس مـمَّا حوته أدبيّات أجنبيّة متخصِّصة فـي اللُّغتيْـن الفرنسيّة والإنـجليـزيّة الّتـي تضمَّنت دراسات وأبـحاث تنظيـريّة، متـوخـيًّا الـحذر فـي العبِّ منها مُــرَاعِيـًـا الاختلاف بيـن العائلة اللُّغويِّـة السَّاميَّة الّتـي تنتمي إليها اللُّغة العربيّة، والعائلة اللُّغويَّة الـهندو-أوروبـيَّـة الّتي تنتمي إليها اللُّغتيْـن الفرنسيّة والإنـجليـزيّة. وقد عُولِـج الـتَّوليد اللُّغويّ من خلال مَنْتُوجِهِ (الـمُولَّد) فـي ظلّ الـمنظومتـيْـن اللُّغويّـتيْـن العربيّة والغربيّة (تـحديدًا الفرنسيّة والإنـجليـزيّة) قديـمًا وحديثًا. حتّـى يَـتَـيَـسَّـر القيام بـمقابلة للـمفهوم بيـْن الـثَّـقافتـيْـن. حيث تبيَّـن أنّ الـمُولَّد مفهوم قُوبِل فـي جلِّ الـثَّـقافات بِتَنَكُّرٍ لِـجَدْوَاه ونُفور منه وتـجاهل له من أولئك الّذين صنعوا معاجم لغويّة إذْ لـم يُوردوا الـمُولَّد فـي مصنَّفاتـهم. لكن بـمرور الأيَّام انقلبَ هذا الـموقف مناصرةً لـهذا الـمفهوم عوض التَّنكُّر له. كما لُوحِظ اتِّـفـاق موقف الباحثِيـن الـمعاصِرِين وجهودهم -سواء كانوا أفرادًا أم مؤسّسات رسـميّة- إزاء الـمُولَّد والـتَّوليد اللُّغويّ حيث تقاربتْ نظرتـهم كثيـرًا فـي العموم، لتأثُّــرهم بالقدماء فـي إدراك هذا الـمفهوم. ولقد كان السَّعيُ إلـى إبراز حال اللُّغة العربيّة فـي راهنها والإحاطة بالصّعوبات بـها لتحقيق تنمية مناسبة لصالـح اللُّغة العربيّة حتّـى تُضَاهِي مثيلاتـها فـي الوفاء بـحاجات الـمُتَلَاغِيـن بـها ومتطلَّــباتـهم داخل النِّطاق العربـيّ وخارجه: إقليميًّا ودُوليًّا وعالَـميًّا. وهذه غاية يُسعَى إليها تَـبْـوِئَـةً لِلُغَــتِـنَا العربيّة مَـكَـانَـةً هي بـها أَلْـيَـقُ.