إستراتيجيات الخطابة الإسلامية عصر صدر الإسلام بين الوظيفتين التعاملية والتفاعلية

Abstract

موضوع هذه الأطروحة - بإيجاز- هو إستراتيجيات الخطاب، من حيث هي آلية من آليات المقاربة التداولية، التي كان ظهورها مطلع سبعينيات القرن الماضي، فتحا جديدا في حقل الدراسات اللغوية الغربية، بما قدمته من حلول عملية (براغماتية) لإشكالات عديدة، وقفت المناهج السابقة حيالها موقفا سلبيا، فالبنوية مثلا على الرغم مما تزخر به من خلفيات فكرية، وفلسفية، ولسانية، لم تعد تقوى على الإجابة عن أسئلة كثيرة، من قبيل: من يتكلم؟ ومن يتلقى؟ وما علاقة االملفوظ بالسياق؟ وغيرها من الأسئلة التي فرضت على محللي الخطاب، إعادة استدعاء المكون الخارجي، لبلورة تحليل يتوافق مع طبيعة المتلقي الثقافية، والاجتماعية، والذاتية.... إن ظهور التداولية، إذن لم يكن إلا نتيجة حتمية، لمغالاة المناهج الشكلية عموما في إبعاد السياق، وإعطائه دورا ثانويا عند تحليل الملفوظ، دون اعتداد بما قد تقدمه المعارف المشتركة بين المتخاطبين، من أحكام حاسمة، وموجهة للعملية التخاطبية، ولذلك حاولنا من خلال هذه الرسالة أن نجيب عن إشكالين أساسين، أحدهما عام، تحمله طبيعة المقاربة في حد ذاتها ألا وهو: ما القوانين اللسانية المتحكمة في العملية التخاطبية ؟ وهل يمكن رصد وشائج واضحة بين شكل الخطاب وهدفه من جهة؟ وبين قصد المرسل وطريقة صوغه للخطاب من جهة أخرى؟ وأما الآخر فخاص منشؤه إسقاط آليات الإستراتيجية التخاطبية على مدونة بحثنا، ويتمثل في هاجس الكشف عن: الدوافع المعرفية الكامنة في خطابة صدر الإسلام؟ ومن ثمَّ وضع اليد على أهم الإستراتيجيات التخاطبية المتحكمة في مرسل الفترة، وأثر الأطراف التخاطبية الأخرى فيه، وصور تمظهر كل ذلك في الخطاب، خطاب عصر صدر الإسلام. فكان عنوان الرسالة "إستراتيجيات الخطابة الإسلامية عصرَ صدر الإسلام بين الوظيفتين التعاملية والتفاعلية" إن المعادلة اللسانية التي انطلقت منها هذه الأطروحة، قائمة على تمثل فاعليات ثلاثة، لا غنى للخطاب عنها، هي المرسل والمرسل إليه، بما يتضمناه من كفاءات لغوية، وموسوعية وتداولية، واجتماعية....، ثم السياق وما يحويه من مؤثرات لا حصر لها، لسانية، وخارج لسانية تضيق وتتسع وتظهر، وتضمر، وتخبو وتذكو، لتخرج في النهاية خطابا متفردا لا يصح أن يقرأ إلا في سياق إنتاجه أو إعادة تلقيه على اعتبار مبدأ تحكم اللحظة التاريخية (الظرف) في ملتقى الخطاب (المظروف) فكان هدف البحث العام، هو إعادة قراءة خطابة عصر صدر الإسلام، من خلال نماذج مختارة تشكلت في ظروف غير عادية، كخطب النبي - صلى الله عليه وسلم - وخطب السقيفة، وخطب أهل الشورى، بعد مقتل عمر بن الخطاب، وخطب المتقاتلين على الخلافة، علي وعائشة، وطلحة والزبير ومعاوية... وهي كلها مشترِكة في كونها تجسد مقاماتٍ تواصليةً، تداوليةً، تعلي من الطبيعة اللجاجية للخطاب، وما يحتاج إليه من حشد للوسائل اللغوية، وغير اللغوية، في سبيل التوجيه أو الإقناع، أو التضامن أو التلميح....من حيث هي الإستراتيجياتالأساسة التي ينبني عليها التفسير التداولي لشكل الخطاب، أو هدفه.... وهو ما اختزله "براون" و"يول" في وظيفتي التعامل والتفاعل، إذ تشير الأولى إلى الطبيعة التواصلية للغة، في حين تومئ الأخرى إلى ما يثوي وراء العبارات من معان، مقصودة غير مصرح بها لفظا، ولكن هدف التواصل الأول تلفظا. وتندرج تحت هاتين الوظيفتين - إجمالا - جلُّ الوظائف اللغوية التي أنتجتها الاتجاهات اللسانية المختلفة، غير أنه لا يمكن تحديد أي من هذه الوظائف، من وجهة نظر تداولية، إلا إذا استعنَّا بالإستراتيجيات التي يلجأ إليها المرسل، وإن كانت هي الأخرى - كما أسلفنا - وثيقة الصلة بمقاصد منشئ الخطاب، أو لِنَقُلْ بالسياق وعناصره المتعددة... وبهذا بدا واضحا الخطر الرفيع الذي يتبوؤه موضوع إستراتيجيات الخطاب، بوصفه طريقا موصلة إلى معرفة نوايا المرسل، ومقاصده، وكفاءاته التداولية.